فصل: قال القاسمي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال صاحب روح البيان:

{وَقَضَى رَبُّكَ} أي: أمر كل مكلف أمرًا مقطوعًا به فضمن قضى معنى أمر وجعل المضمن أصلًا والمضمن فيه قيدًا له لأن المقضي يجب وقوعه ولم يقع من بعض المخاطبين التوحيد.
وفي التأويلات النجمية: وإنما قال ربك أراد به النبي لأنه مخصوص بالتربية أصالة والأمة تبع له في هذا الشأن وقوله: {وَقَضَى رَبُّكَ} أي: حكم وقدر في الأزل {أَن لا تَعْبُدُوا} أي: بأن لا تعبدوا على أن أن مصدورية ولا نافية {إِلَّا إِيَّاهُ} لأن العبادة غاية التعظيم فلا تحق إلا لمن له غاية العظمة ونهاية الإنعام {وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا} أي: بأن تحسنوا بهما إحسانًا لأنهما السبب الظاهري للوجود والتعيش والله تعالى هو السبب الحقيقي فأخبر تعظيم السبب الحقيقي ثم اتبعه بتعظيم السبب الظاهري يعني الله تعالى قرن إحسان الوالدين بتوحيده لمناسبتهما لحضرة الألوهية والربوبية في سببيتهما لوجودك وتربيتهما إياك عاجزًا صغيرًا وهما أول مظهر ظهر فيهما آثار صفات الله تعالى من الإيجاد والربوبية والرحمة والرأفة بالنسبة إليك ومع ذلك فهما محتاجان إلى قضاء حقوقهما والله غني عن ذلك.
فأهم الواجبات بعد التوحيد إحسانهما وفي الحديث: «بر الوالدين أفضل من الصلاة والصوم والحج والعمرة والجهاد في سبيل الله» ذكره الإمام {إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَآ أَوْ كِلاهُمَا}
قوله: إما مركبة من أن الشرطية وما المزيدة لتأكيدها ولذلك حل الفعل نون التأكيد ومعنى عندك في كنفك وكفالتك وأحدهما فاعل للفعل وتوحيد ضمير الخطاب في عندك وفيما بعده مع أن ما سبق على الجمع للاحتراز عن التباس المراد فإن المقصود نهي كل أحد عن تأفيف والديه ونهرهما ولو قوبل الجمع بالجمع أو بالتثنية لم يحصل هذا المراد، قال في الأسئلة المقحمة: إن قلت كيف خص الله حال الكبر بالإحسان إلى الوالدين وهو واجب في حقهما على العموم والجواب أن هذا وقت الحاجة في الغالب وعند عدم الحاجة إجابتهما ندب وفي حالة الحاجة فرض انتهى {فَلا تَقُل لَّهُمَآ} أي: لواحد منهما حالتي الانفراد والاجتماع {أُفٍّ} هو صوت يدل على تضجر واسم للفعل الذي هو الضجر وقرئ بحركات الفاء فالتنوين على قصد التنكير كصه ومه وايه وغاق وتركه على قصد التعريف والكسر على أصل البناء إن بني على الكسر لالتقاء الساكنين وهما الفاآن والفتح على التخفيف والضم للاتباع كمنذ وهو بالشاذ.
والمعنى لا تتضجر بما تستقذر منهما وتستثقل من مؤونتهما وهو عام لكل أذى لكن خص بعضه بالذكر اعتناء بشأنه فقيل: {وَلا تَنْهَرْهُمَا} أي: لا تزجرهما بإغلاظ إذا كرهت منهما شيئًا {وَقُل لَّهُمَا} بدل التأفيف {قَوْلا كَرِيمًا} ذا كرم وهو القول الجميل الذي يقتضيه حسن الأدب ويستدعيه النزول على المروءة مثل أن تقول: يا أبتاه ويا أماه كدأب إبراهيم عليه السلام إذ قال لأبيه: يا أبت مع ما به من الكفر ولا يدعوهما بأسمائهما فإنه من الجفاء وسوء الأدب وديدن الدعاء إلا أن يكون في غير وجههما كما قالوا ولا يرفع صوته فوق صوتهما ولا يجهر لهما بالكلام بل يكلمهما بالهمس والخضوع إلا لضرورة الصمم والإفهام ولا يسب والدي رجل فيسب ذلك الرجل والديه ولا ينظر إليهما بالغضب.
{وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ} جناح الذل استعارة بالكناية جعل الذل والتواضع بمنزلة طائر فأثبت له الجناح تخييلًا أي: تواضع لهما ولين جانبك وذلك أن الطائر إذا قصد أن ينحط خفض جناحه وكسره وإذا قصد أن يطير رفعه فجعل خفض جناحه عند الانحطاط مثلًا في التواضع ولين الجانب.
قال القاضي وأمره بخفضه مبالغة في إيجاب الذل وترشيحًا للاستعارة.
قال ابن عباس رضي الله عنهما: كن مع الوالدين كالعبد المذنب الذليل الضعيف للسيد الفظ الغليظ أي: في التواضع والتملق {مِنَ الرَّحْمَةِ} من ابتدائية أو تعليلية أي: من فرط رحمتك عليهما لافتقارهما اليوم إلى من كان أفقر خلق الله إليهما قالوا: ينظر إليهما بنظر المحبة والشفقة والترحم وفي الحديث: «ما من ولد ينظر إلى الوالد وإلى والدته نظر مرحمة إلا كان له بها حجة وعمرة قيل: وإن نظر في اليوم ألف مرة قال: وإن نظر في اليوم مائة ألف» كما في خالصة الحقائق ويقبل رجل أمه تواضعًا.
حكي أن رجلًا جاء إلى الأستاذ أبي إسحاق فقال: رأيت البارحة في المنام أن لحيتك مرصعة بالجواهر واليواقيت فقال: صدقت فإني البارحة مسحت لحيتي تحت قدم والدتي قبل أن نمت فهذا من ذاك ويباشر خدمتهما بيده ولا يفوضها إلى غيره لأنه ليس بعار للرجل أن يخدم معلمه وأبويه وسلطانه وضيفه ولا يؤمه للصلاة وإن كان أفقه منه أي: أعلم بالفقه من الأدب ولا يمشي أمامهما إلا أن يكون لإماطة الأذى عن الطريق ولا يتصدر عليهما في المجلس ولا يسبق عليهما في شيء أي: في الأكل والشرب والجلوس والكلام وغير ذلك.
قال الفقهاء: لا يذهب بأبيه إلى البيعة وإذا بعث إليه منها ليحمله فعل ولا يناوله الخمر ويأخذ الإناء منه إذا شربها.
وعن أبي يوسف: إذا أمره أن يوقد تحت قدره وفيها لحم الخنزير أوقد كما في بحر العلوم ولا ينسب إلى غير والديه استنكافًا منهما فإنه يستوجب اللعنة قال عليه السلام: «فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين لا يقبل الله منه صرفًا ولا عدلًا» أي: نافلة وفريضة كما في الأسرار المحمدية.
قال في القاموس: الصرف في الحديث التوبة والغدل الفدية أو هو النافلة والعدل الفريضة أو بالعكس أو هو الوزن والعدل الكيل أو هو الاكتساب والعدل الفدية {وَقُل رَّبِّ ارْحَمْهُمَا} وادع الله أن يرحمهما برحمته الباقية ولا تكتف برحمتك الفانية وإن كانا كافرين لأن من الرحمة أن يهديهما إلى الإسلام.
قال ابن عباس: ما زال إبراهيم عليه السلام يستغفر لأبيه حتى مات فلما تبين له أنه عدو لله تبرأ منه يعني ترك الدعاء ولم يستغفر له بعدما مات على الكفر كذا في تفسير أبي الليث وفي الحديث: «إذا ترك العبد الدعاء للوالدين ينقطع عنه الرزق في الدنيا» سئل ابن عيينة عن الصدقة عن الميت فقال: كل ذلك واصل إليه ولا شيء أنفع له من الاستغفار ولو كان شيء أفضل منه لأمرت به في الأبوين ويعضده قوله عليه السلام: «إن الله ليرفع درجة العبد في الجنة فيقول: يا رب أنى لي هذا؟ فيقول: باستغفار ولدك» وفي الحديث: «من زار قبر أبويه أو أحدهما في كل جمعة كان بارًا».
{كَمَا رَبَّيَانِى صَغِيرًا} الكاف في محل النصب على أنه نعت مصدر محذوف أي: رحمة مثل رحمتهما عليّ وتربيتهما وإرشادهما لي في حال صغري وفاء بوعدك للراحمين.
روي أن رجلًا قال لرسول الله صلى الله عليه وسلّم إن أبوي بلغا من الكبر أني ألي منهما ما وليا مني في الصغر فهل قضيتهما حقهما؟ قال: «لا فإنهما كانا يفعلان ذلك وهما يحبان بقاءك وأنت تفعل ذلك وأنت تريد موتهما».
{رَّبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَا في نُفُوسِكُمْ} بما في ضمائركم من قصد البر والتقوى وكأنه تهديد على أن يضمر لهما كراهة واستثقالًا {إِن تَكُونُوا صَالِحِينَ} قاصدين الصلاح والبر دون العقوق والفساد {فَإِنَّهُ} تعالى: {كَانَ لِلأوَّابِينَ} أي: الرجاعين إليه تعالى مهما فرط منهم مما لا يكاد يخلو عنه البشر {غَفُورًا} لما وقع منهم من نوع تقصير أو أذية فعلية أو قولية.
قال الإمام الغزالي رحمه الله: أكثر العلماء على أن طاعة الوالدين واجبة في الشبهات ولم تجب في الحرام المحض لأن ترك الشبهة ورع ورضى الوالدين حتم أي: واجب.
قيل: إذا تعذر مراعاة حق الوالدين جميعًا بأن يتأذى أحدهما بمراعاة الآخر يرجح حق الأب فيما يرجع إلى التعظيم والاحترام لأن النسب منه ويرجع حق الأم فيما يرجع إلى الخدمة والإنعام حتى لو دخلا عليه يقوم للأب ولو سألا منه شيئًا يبدأ في الإعطاء بالأم كما في منبع الآداب.
قال الفقهاء تقدم الأم على الأب في النفقة إذا لم يكن عند الولد إلا كفاية أحدهما لكثرة تعبها عليه وشفقتها وخدمتها ومعاناة المشاق في حمله ثم وضعه ثم إرضاعه ثم تربيته وخدمته ومعالجة أوساخه وتمريضه وغير ذلك.
وشكا رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلّم أباه وأنه يأخذ ماله فدعا به فإذا شيخ يتوكأ على عصا فسأله فقال: إنه كان ضعيفًا وأنا قوي وفقيرًا وأنا غني فكنت لا أمنعه شيئًا من مالي واليوم أنا ضعيف وهو قوي وأنا فقير وهو غني ويبخل عليّ بماله فبكى عليه السلام فقال: «ما من حجر ولا مدر يسمع هذا إلا بكى ثم قال للولد: أنت ومالك لأبيك» وفي الحديث: «رغم أنفه فقيل: من يا رسول الله؟ قال: من أدرك والداه عند الكبر أحدهما أو كلاهما ثم لم يدخل الجنة» يعني بسبب برهما وإحسانهما: وعن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلّم يقول: «لولا أني أخاف تغير الأحوال عليكم بعدي لأمرتكم أن تشهدوا لأربعة أصناف بالجنة: أولهما امرأة وهبت صداقها من زوجها لأجل الله تعالى وزوجها راضٍ، والثاني: ذو عيال كثير يجهد في المعيشة لأجلهم حتى يطعمهم الحلال، والثالث التائب على أن لا يعود إليه أبدًا كاللبن لا يعود إلى الثدي، والرابع البار بوالديه» ويجب على الأبوين أن لا يحملا الولد على العقوق بسوء المعاملة والجفاء ويعيناه على البر.
وحكي عن بعض العرفاء أنه قال: إن لي ابنًا منذ ثلاثين سنة ما أمرته بأمر مخافة أن يعصيني فيحق عليه العذاب.
يقول الفقير: فسد الزمان وتغير الإخوان ولنبككِ على أنفسنا من سوء الأخلاق وقد كانت الصحابة- رضي الله عنهم- وهم هم يبكون دمًا من أخلاق النفس فما لنا لا نبكي ونحن منغمسون في بحر الخطايا والذنوب متورطون في بئر القبائح والعيوب لا إنصاف لنا في حق أنفسنا ولا في حق الغير ونعم ما قال الحافظ حكاية لهذا التغير الناشيء من النفس الأمارة بالسوء. اهـ.

.قال القاسمي:

{وَقَضَى رَبُّكَ} أي: أمر أمرًا مقطوعًا به: {أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا} أي: وبأن تحسنوا بالوالدين إحسانًا. قال القاشانِيِّ: قرن سبحانه وتعالى إحسان الوالدين بالتوحيد وتخصيصه بالعبادة؛ لكونهما مناسبين للحضرة الربوبية؛ لتربيتها إياك عاجزًا صغيرًا ضعيفًا لا قدرة لك ولا حراك بك. وهما أول مظهر ظهر فيه آثار صفات الله تعالى من الإيجاد والربوبية، والرحمة والرأفة بالنسبة إليك. ومع ذلك فإنهما محتاجان إلى قضاء حقوقهما، والله غني عن ذلك. فأهم الواجبات بعد التوحيد إذًا؛ إكرامهما والقيام بحقوقهما ما أمكن: {إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاَهُمَا فَلاَ تَقُل لَّهُمَآ أُفٍّ وَلاَ تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلًا كَرِيْمًا وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُل رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا} في هذا من المبالغة في إكرام الوالدين وبرهما ما لا يخفى. و: {إمَّا} هي إن الشرطية زيدت عليها ما تأكيدًا لها. و: {أَحَدُهُما} فاعل {يبلغن} و{كِلاهُمَا} عطف عليه. ومعنى: {عِنْدَكَ} هو أن يكبرا ويعجزا، وكانا كلًا على ولدهما، ولا كافل لهما غيره، فهما عنده في بيته وكنفه. وذلك أشق عليه وأشد احتمالًا وصبرًا. وربما تولى منهما ما كانا يتوليان منه في حال الطفولة. فهو مأمور بأن يستعمل معهما وطأة الخلق ولين الجانب والاحتمال، حتى لا يقول لهما، إذا أضجره ما يستقذر منهما، أو يستثقل من مؤنهما: {أُفٍّ} فضلًا عما يزيد عليه. أفاده الزمخشري.
{وَلاَ تَنْهَرْهُمَا} أي: تزجرهم عما لا يعجبك، بغلظة: {وَقُلْ لَّهُمَا} بدل التأفيف والنهر: {قَوْلًا كَرِيْمًا} أي: حسنًا كما يقتضيه حسن الأدب معهما. ومعنى قوله: {وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ} تذلل لهما وتواضع. وفيه استعارة مكنية وتخييلية. فشبه الذل بطائر تشبيهًا مضمرًا، وأثبت له الجناح تخييلًا، والخفض ترشيحًا. وخفضه ما يفعله إذا ضم أفراخه للتربية. أو استعارة تصريحية في المفرد وهو الجناح، والخفض ترشيح. والجناح الجانب كما يقال جناحا العسكر وخفضه مجاز، كما يقال ليِّنْ الجانب ومنخفض الجانب. وإضافة الجناح إلى الذل للبيان؛ لأنه صفة مبيِّنة. أي: جناحك الذليل. وفيه مبالغة لأنه وصف بالمصدر. فكأنه جعل عين الذل. أو التركيب استعارة تمثيلية. فيكون مثلًا لغاية التواضع. وسر ذكر الجناح وخفضه، تصوير الذل كأنه مشاهد محسوس. و{مِنَ} في قوله تعالى: {مِنَ الرَّحْمَةِ} ابتدائية على سبيل التعليل. أي: من فرط رحمتك لهما، وعطفك عليهما، لكبرهما وافتقارهما اليوم، إلى من كان أفقر خلق الله إليهما بالأمس. وافتقارُ المرء إلى من كان مفتقرًا له، غايةٌ في الضراعة والمسكنة، فيرحمه أشد رحمة. كما قال الخفاجي:
يا من أتى يسأل عن فاقتي ** ما حال من يسأل من سائله؟

ما ذلة السلطان إلا إذا ** أصبح محتاجًا إلى عامله

وقوله تعالى: {وَقُل رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا} أي: رب! تعطف عليهما برحمتك ومغفرتك، كما تعطفا عليَّ في صغري، فرحماني وربياني صغيرًا حتى استقللت بنفسي، واستغنيت عنهما.
قال الزمخشري: أي: لا تكتف برحمتك عليهما التي لا بقاء لها، وادع الله بأن يرحمهما رحمته الباقية. واجعل ذلك جزاء لرحمتهما عليك في صغرك وتربيتهما لك. والكاف للتعليل. أي: لأجل تربيتهما لي.
قال الطيبي: الكاف لتأكيد الوجود. كأنه قيل: رب ارحمهما رحمة محققة مكشوفة لا ريب فيهما، كقوله: {مِثْلَ مَا أَنَّكُمْ تَنْطِقُونَ} [الذاريات: 23]، وهو وجه حسن.
تنبيه:
استحب بعض السلف أن يدعو المرء لوالديه في أواخر التشهد قبيل السلام؛ لأنه وقت فاضل. وقد جمعت من الأدعية المأثورة للوالدين المتوفيين أو أحدهما، جملة ضممتها لكتابي الأوراد المأثورة. لا أزال أدعو لهما بما في السحر أو بين أذان الفجر وإقامة صلاته؛ لما أرى من مزية هذا الوقت على غيره.
وقوله تعالى: {رَّبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَا فِي نُفُوسِكُمْ} أي: ضمائركم من قصد البر إلى الوالدين والعقوق: {إِن تَكُونُواْ صَالِحِينَ} أي: قاصدين للصلاح والبر دون العقوق: {فَإِنَّهُ كَانَ لِلأَوَّابِينَ} أي: التوابين الرجاعين إليه تعالى بالندم عما فرط منهم، والاستقامة على المأمور: {غَفُورًا} أي: لهم ما اكتسبوا. ولا يخفى ما في صدر الآية من الوعد لمن أضمر البر. والوعيد لمن أضمر الكراهة والاستثقال والعقوق.
قيل: الآية استئناف يقتضيه مقام التأكيد والتشديد. كأنه قيل: كيف يقوم بحقهما وقد تبدر بوادر؟ فقيل: إذا بنيتم الأمر على الأساس، وكان المستمر ذلك، ثم اتفقت بادرة من غير قصد إلى المساءة، فلطف الله يحجز دون عذابه. ويجوز- كما قال الزمخشري- أن يكون هذا عامًا لكل من فرطت منه جناية ثم تاب منها. ويندرج تحته الجاني على أبويه، التائب من جنايته؛ لوروده على أثره. اهـ.